أسئلة الهوية
عبد الوهاب المسيرى
كي نفهم قضية الهوية حق الفهم لابد أن ندرك أننا لا
نتلقى الواقع في موضوعية مطلقة سلبية تكتفي بالرصد والتسجيل، فالعقل الإنساني -كما
أشرت- عقل توليدي يبقي ويستبعد ويضخم ويهمش ويضيف ويحذف. وتتم عملية الإبقاء
والاستبعاد والتضخيم والتهميش والإضافة والحذف حسب نموذج إدراكي يشكل هوية الإنسان
وهو في صميم رؤية للكون.
"
المنهج المادي يودي بالهوية تماما لأنه لا يتعامل مع
الواقع إلا من خلال معايير مادية، وهي معايير عاجزة بطبيعتها عن رصد الهوية في كل
تركيبيتها وفرادتها
فهوية شعب ما تتشكل عبر مئات السنين من خلال تفاعله مع
الطبيعة وبيئته الجغرافية ومع بني جلدته ومع الشعوب الأخرى. ولأن أعضاء هذا الشعب
لا يعكسون الواقع كما هو، وإنما يتفاعلون معه (فعقولهم التوليدية تبقي وتستبعد
وتضخم وتهمش)، فإن هويتهم تتشكل من خلال إدراكهم لما حولهم، ومن خلال تطلعاتهم
ورؤاهم وذكرياتهم، فهي ليست مجرد انعكاس بسيط لبيئتهم. ومن هنا تكتسب الهوية
فرادتها وتركيبيتها التي لا يمكن ردها إلى قانون أو نمط مادي.
ولكن عادة ما ينطلق الكثيرون من الرؤية المادية التي
يسمونها "علمية"، فيدرسون الهوية في إطار النموذج المادي كما يفعل كثير
من الدارسين في الغرب. واستخدام النموذج المادي يعني استخدام الحواس الخمس، كما
يعني دراسة الظواهر الإنسانية كما تدرس الظواهر الطبيعية.
ومثل هذا المنهج يودي بالهوية تماماً، لأنه لا يتعامل مع
الواقع إلا من خلال معايير مادية، وهي معايير عاجزة بطبيعتها عن رصد الهوية في كل
تركيبيتها وفرادتها.